تزداد المؤشرات على نية الاحتلال الإسرائيلي المضي في مخطط احتلال مدينة غزة مباشرة، في سياق حرب إبادة مستمرة منذ ما يقارب عامين، وسط صمود فلسطيني غير مسبوق، وتواطؤ عربي ودولي يفتح الباب أمام تهجير جماعي لشعب محاصر منذ أكثر من 18 عامًا.
ويرى الكاتب العام لمجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين في المغرب عزيز هناوي، أن إصرار (إسرائيل) على خيار الاحتلال يعكس هروبًا من حقيقة هزيمتها في 7 أكتوبر 2023، حين فشلت في تحقيق ما سمته "الانتصار الكامل".
وقال هناوي لصحيفة "فلسطين": "بعدما عجز الاحتلال عن كسر إرادة المقاومة أو تهجير الشعب الفلسطيني، تعمد إلى افتعال معارك جديدة لتأجيل مواجهته الداخلية مع الانقسامات السياسية والعسكرية العميقة".
وأضاف "من رفح قبل عام إلى غزة اليوم، العدو يهرب من حقيقة الهزيمة، ويصطنع معركة جديدة كل مرة، في محاولة لتجاوز أزماته الداخلية، من الخلافات داخل الكنيست إلى المظاهرات الشعبية ضد حكومة نتنياهو".
وكانت حكومة الاحتلال صادقت على قرار احتلال مدينة غزة، وبدأت بالتحشيد العسكري واستدعاء الالاف من جنود الاحتياط، وتزامن ذلك مع استمرار العملية العسكرية في المناطق الشرقية من المدينة. ويأتي تكثيف الاحتلال من القصف والتدمير والتفجيرات في إطار الضغط على سكان المدينة وإجبارهم على إخلاء منازلهم والنزوح نحو جنوب القطاع.
وأوضح هناوي أن ما يجري في غزة يتابع من زاويتين في المغرب: الأولى شعور بالألم والوجع أمام مشاهد الإبادة والدمار الذي يطال شعبًا رفض الانكسار أمام المؤامرات الإقليمية والدولية، والثانية شعور بالفخر إزاء صمود الفلسطينيين الذين باتوا، وفق تعبيره، "يعادلون ثمانية مليارات إنسان، لأن غزة أصبحت عنوان كل الإنسانية".
ومنذ انطلاق حرب الإبادة في السابع من أكتوبر 2023، اعتمدت (إسرائيل) سياسة الأرض المحروقة: قصف متواصل، نزوح داخلي متكرر، وارتفاع أعداد الشهداء لمعدل يقارب 100 شهيد يوميًا بحسب تقديرات ميدانية. لكن خلف هذه الممارسات يتضح – وفق محللين– أن الاحتلال يحيي خطة قديمة تهدف إلى التهجير الشامل للفلسطينيين.
ووفق هناوي، فإن (إسرائيل) تستغل حرب الإبادة المستمرة، بعدما لم يعد لديها ما تخسره أمام الرأي العام العالمي، لتطبيق مخطط التهجير النهائي، بدعم سياسي من دوائر أمريكية يمينية أبرزها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعاد طرح مشروع نقل الفلسطينيين وتوطينهم في أراض عربية أخرى تحت مسميات اقتصادية وسياحية.
رفض التهجير
خلال الأشهر الماضية، برزت دعوات إسرائيلية متكررة لـ"النزوح الطوعي" من القطاع، لكنها جوبهت برفض قاطع من السكان والمقاومة. ورغم القصف الهائل والتدمير الشامل للبنية التحتية، ظل مئات آلاف الفلسطينيين متمسكين بالبقاء داخل غزة.
ويعلق هناوي على ذلك: "ما يجري ليس مجرد تفاوض على صفقة أسرى أو إعادة إعمار، بل محاولة لشطب الشعب الفلسطيني من أرضه. لكن هذا المخطط ينكسر بالدم والصمود. الشعب يحتضن المقاومة، ويرفض مغادرة غزة، رغم الجوع والدمار".
وعلى الصعيد العربي، يصف هناوي الموقف الرسمي بأنه "يتجاوز حدود العجز إلى حد الشراكة". فبرأيه، ثلاثة قمم عربية وإسلامية عُقدت منذ بدء الحرب لم تسفر عن أي خطوات عملية، في وقت اكتفى فيه المسؤولون بتصريحات إدانة شكلية.
ويتابع: "المقاومة قالت لا نريد منكم سلاحًا بل غذاءً ودعم للمستشفيات. ومع ذلك، تراهن (إسرائيل) على تواطؤ الأنظمة العربية، التي لم تكتفِ بخذلان غزة، بل تمارس التطبيع العلني والضمني، وتكبح حرية شعوبها عن تقديم الدعم الحقيقي".
وعلى المستوى الدولي، يظل الموقف مرهونًا بالإرادة الأمريكية، مع محاولات أوروبية خجولة للتوازن بين الضغط الشعبي الداخلي والالتزام بالتحالف مع (إسرائيل). ومع ذلك، يعتقد هناوي أن "التململ الشعبي في الغرب قد يفرض تغيرًا تدريجيًا في السياسات الرسمية لصالح القضية الفلسطينية، بخلاف الموقف العربي المرتبط عضويًا بالإرادة الأمريكية".
وشدد هناوي على أن المطلوب من الدول العربية والإسلامية هو الحد الأدنى: وقف التطبيع، سحب السفراء، إلغاء الاتفاقيات مع (إسرائيل)، وفتح الباب للشعوب لتقديم الدعم المباشر والإغاثي. كما دعا إلى "إطلاق مبادرات جريئة، كتسيير أساطيل إنسانية ضخمة نحو غزة، لكسر الحصار عمليًا بدل الاكتفاء بالبيانات".

